شهدت أسعار الفائدة البنكية في مصر ارتفاعًا ملحوظًا، حيث قفزت إلى 30% بعد قرار البنك المركزي المصري في مارس 2024، بتحرير سعر الصرف وزيادة الفائدة 6% دفعة واحدة. هذا الارتفاع غير المسبوق لم يؤثر فقط على تكاليف الاقتراض، بل انعكس أيضًا على سوق العقارات بشكل عام، واضطر المطورون إلى اتخاذ عدة تدابير، منها تمديد فترة سداد الأقساط لتصل إلى 7 أو 10 سنوات، بهدف تخفيف الأعباء المالية عن المشترين.
لكن زيادة آجال السداد لم تكن بدون كلفة؛ إذ أصبحت الأقساط الجديدة محملة بتكاليف الفائدة المرتفعة، ما أدى إلى زيادة الضغوط المالية على المشترين الذين يبحثون عن وحدات سكنية.
ومع تصاعد أسعار الوحدات السكنية، تتزايد المخاوف من أن يؤدي هذا الوضع إلى إضعاف القدرة الشرائية للعملاء، مما يعقد معادلة العرض والطلب في السوق العقارية.
قال الملياردير المصري نجيب ساويرس، ورئيس مجلس إدارة شركة أورا ديفلوبرز إيجيبت، إن ارتفاع سعر الفائدة على القروض، يمثل أكبر تحدٍ في القطاع العقاري المصري، وهذا المعدل المرتفع يضع عبئاً ثقيلاً على المطورين، الذين يضطرون لتحميل تكلفة الفائدة على الأقساط المؤجلة للعملاء.
وأضاف ساويرس، في تصريحات له بمؤتمر صحافي عقد آخر سبتمبر الماضي، أن هذا أدى إلى ارتفاع أسعار الوحدات السكنية، حيث يمكن أن تصل أسعار الشاليهات أو الشقق ذات الغرفة أو الغرفتين إلى 5 أو 10 ملايين جنيه، بعدما كانت تتراوح بين مليون ومليونين جنيه، مشيراً إلى أن المطورين يتخذون خطوات غير صحيحة بتحولهم إلى بنوك أو ممولين للعملاء، حيث يمتد فترة السداد إلى 6 أو 10 سنوات.
واتفق مع الرأي السابق الرئيس التنفيذي لشركة "أبو سومة للتنمية السياحية" إبراهيم المسيري، في أن ارتفاع أسعار الوحدات العقارية يعزى إلى إضافة الفائدة المركبة بنسبة 30% على فترات سداد تتراوح بين 5 و7 سنوات.
وأوضح أن هذا الأمر يؤدي إلى زيادة أسعار العقارات بما يصل إلى 40%، وهو ما ينعكس في النهاية على العميل الذي يتحمل هذه التكاليف.
فوائد متغيرة
ومن جانبه، قال نائب رئيس مجلس إدارة شركة ريدكون بروبيرتيز، أحمد عبدالله، إن تحديد أسعار الفائدة على الأقساط تختلف من شركة لأخرى، لأن الملاءة المالية للشركات لا تعتمد كلياً على التمويل البنكي، بينما يأتي الجزء الآخر من حصيلة أقساط العملاء وإيرادات إضافية.
وأضاف في تصريحات صحفية، أنه من غير الممكن تحميل نسبة الفائدة بالكامل على الأقساط على المدى الطويل، وأسعار الفائدة على أقساط العملاء هي فائدة متغيرة غير ثابتة أي قابلة للتغيير أو التعديل بناءً على عوامل اقتصادية مختلفة، مثل التضخم أو السياسات النقدية التي يتخذها البنك المركزي.
وتابع: "ليس كل مطور يضطر إلى تحميل الزيادة الحالية البالغة 30% في الفائدة، حيث يحدد كل مطور رؤيته الخاصة وتقديره لمستقبل أسعار الفائدة".
ولفت عبدالله إلى أن المطورين يعدون توقعات لمعدل الفائدة المحتمل، حيث تتغير المؤشرات كل عشر سنوات ويقوم المطورون بقياس معدل الفائدة خلال السنوات العشر التالية، مما يمكنهم من تحديد سعر الفائدة الحالي بشكل تقريبي، وكل شركة تحدد الفوائد على الأقساط بحسب مستوى قروضها مقارنة برأس المال والديون، بالإضافة إلى توقعاتها لأسعار الفائدة في السنوات المقبلة.
توقعات بانخفاض
توقع عبدالله أن تنخفض أسعار الفائدة في الربع الأول من العام المقبل، أو بنهاية العام الجاري، مع تحسن الظروف الاقتصادية وتوازن السوق، مما سيتيح للمطورين والمستثمرين الحصول على تمويل بأسعار معقولة تسهم في تنشيط القطاعات المختلفة.
كما توقع المسيري أن يشهد مستقبل أسعار الفائدة تراجعًا، مما قد يساهم في تحسين ظروف التمويل للشركات العقارية، ويخفف من الضغوط المالية التي تواجهها في ظل التكاليف المرتفعة الحالية.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة السعودية المصرية للتعمير، محمد الطاهر في تصريح صحفي، إن التغيرات في أسعار الفائدة تؤثر بشكل كبير على خطط التمويل للمطورين والمستثمرين، مما يستدعي منهم التكيف مع هذه الظروف لضمان استمرارية مشاريعهم.
وتوقع الطاهر أن تشهد السوق تغييرات إيجابية في المستقبل، ما يسهم في استقرار أسعار الفائدة ويعزز ثقة المستثمرين في القطاع العقاري، مفترضاً هذه المعدلات المترفعة لسعر الفائدة ستتراجع مع مرور الوقت إلى مستوياتها الطبيعية.
لا قروض ولا توريق
أوضح المسيري أن ارتفاع أسعار الفائدة يزيد من صعوبة الحصول على التمويل اللازم لتطوير المشروعات العقارية، حيث يرفع تكاليف الاقتراض.
وذكر أن ارتفاع الفائدة يشكل تحديًا كبيرًا لأي مطور عقاري يحتاج إلى وسائل تمويلية، مثل توريق الشيكات أو التخصيم، حيث تتسبب هذه التكاليف في خسائر للشركات وتؤثر سلبًا على السيولة المالية.
وأضاف أن المطورين قد يتمكنون من تخفيف هذا التأثير من خلال تسريع وتيرة التنفيذ، خاصة في ظل توقعات بارتفاع أسعار الوقود بعد رفع الدعم، مما قد يؤدي إلى زيادة بنسبة تتراوح بين 200 و300% في أسعاره.
وأوضح أن الوقود يشكل نحو 70% من تكلفة إنتاج الأسمنت، وبالتالي فإن تسريع التنفيذ قد يكون وسيلة للتكيف مع هذه التحديات إذا توفرت السيولة الكافية للمطورين.
صعوبة تحميل الفوائد في المراكز التجارية
أوضح نائب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة "مراكز"، التابعة لمجموعة "فواز الحكير" السعودية، أحمد بدراوي، أن المطورين في قطاع المراكز التجارية وتجارة التجزئة يواجهون فيما يتعلق بارتفاع أسعار الفائدة تحديات أكبر مقارنة بالتطوير العقاري السكني.
ففي ظل انخفاض قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم، يلجأ المطورون إلى زيادة أسعارهم بنسبة 10% سنويًا، بينما يصل معدل التضخم إلى 30%. في الوقت ذاته، يحتاج تجار التجزئة والمستأجرون الرئيسيون إلى الدعم للاستمرار في أعمالهم.
وقال بدراوي، خلال في تصريحات صحافية قبل أيام، إن المطورين يتمتعون بمرونة أكبر في القطاع السكني ، حيث يمكنهم زيادة الأسعار ومراعاة التضخم بشكل أكثر سلاسة، بالإضافة إلى أنهم يستطيعون التعامل مع هذه التحديات بطرق احترافية، مثل تسريع وتيرة الإنشاءات والاستفادة من فرص التوسع.
مطالب بالتخفيض
طالب نجيب ساويرس البنك المركزي بإعادة النظر في معدل الفائدة الحالي، الذي يضر بهذا القطاع الحيوي، مشيراً إلى أنه ليس هناك ما يضمن للمستثمرين تحقيق أرباح إذا كانوا مضطرين لدفع 30% كفوائد بنكية.
وأعرب عن أمله في أن يتبع البنك المركزي المصري نهج الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في خفض أسعار الفائدة، لافتاً إلى أنه إذا خفض الفيدرالي الأمريكي الفائدة بنسبة 0.5%، فإن من الممكن أن يكون هناك خفض بقيمة 1.5% في مصر.
تمنى نجيب ساويرس، أن ينخفض معدل الفائدة إلى 10% أو حتى 5%، مشيرا إلى أن هذه المعدلات المرتفعة تأثيرها سلبي على الاستثمارات والمطورين والشركات بشكل عام، حيث يمكن أن يعيق النمو ويؤدي إلى تقليل الفرص الاستثمارية.